الخُلَّةُ بين الآدميين تعني الصداقة والمودة، مشتقة من تخلل الأسرار بين المتخالين، أو لأن المحبة بينهما تتخلل القلب فلا تدع فيه خللاً إلا ملأته، والشارع الحكيم رغب في أن تكون المعاملة بين المسلمين، معاملة الصديق للصديق، ألا ترى كيف أمر المسلم بأن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، بل إستحب للمسلم أن يؤثر أخاه المسلم وإن كان به حاجة، وذلك أقصى ما يفعله الصديق مع صديقه.
والصداقة الصادقة أصبحت في هذا الوقت عزيزة المنال لا يوفق لها إلا من أخلص لله في صداقته لإخوانه، فإذا كان الصديق صادقاً مع صاحبه فإنه يجد في صحبته معه لذة روحية وهذه يدركها من يسر الله له أن إنعقدت بينه وبين رجل من ذوي الأخلاق النبيلة والآداب العالية مودة، ولا منشأ لهذه الصداقة إلا الشعور بما بينه وبين ذلك الرجل من محبة ومودة، وهذه تسمى صداقة الفضيلة.
أما صداقة المنفعة فشأنها أن تبقى معقودة بين شخصين ما دامت المنافع جارية بينهما فإذا إنقطعت المنافع إنقطعت هذه الصداقة لأنها لم تكن خالصة لله ولهذا قيل:
من لم تكن في الله خلته *** فخليله منه على خطر
لأن للخلة الصادقة والصداقة الخالصة علامات، منها أن يدفع عنك وأنت غائب إذا خاض أحد فيك، ومنها أن تكون مودته في حال إستغنائك عنه وإحتياجك إليه سواء، ومنها أن يقف معك عند كربه تقع عليك ما إستطاع، ومنها النصيحة لك فيعينك إذا ذكرت ويذكرك إذا نسيت لا يحمله على ذلك إلا الوفاء بعهد الصداقة.
وأمثال هؤلاء الأصدقاء قليل كما قال حسان:
أَخِلاَّءُ الرِّجَالِ هُمْ كَثِيرٌ *** وَلَكِنْ فِي البَلاَءِ هُمْ قَلِيلُ
فَلاَ تَغْرُرْكَ خُلَّةُ مَنْ تُؤَاخِي *** فَمَا لَكَ عِنْدَ نَائِبَةٍ خَلِيلُ
وَكُلُّ أَخٍ يَقُولُ أَنَا وَفِيٌّ *** وَلَكِنْ لَيْسَ يَفْعَلُ مَا يَقُولُ
سِوَى خِلٍّ لَهُ حَسَبٌ وَدِينٌ *** فَذَاكَ لِمَا يَقُولُ هُوَ الفَعُولُ
ينبغي للرجل -وللشاب خصوصاً- أن يتخير لصداقته الفضلاء من الناس، فهؤلاء هم الذين تجد الصداقة فيهم قلوباً طيبه فتنبت نباتاً حسناً وتأتي بثمرات نافعه، فمتى حظي الإنسان بأصدقاء كثيرين من الأخيار فقد ساق الله له خيراً كثيراً ففي الصداقة إبتهاج القلب عند لقاء الصديق ومحادثته، وفيها عون على تخفيف مصائب الحياة، وكثيراً ما يقاس الرجل بجلسائه وأصدقائه.
وإذا كان الصفح عن الزلات من أفضل خصال الأخلاق، فأحق الناس بأن تتغاضى عن هفواتهم رجال عرفت منهم المحبة والمودة، ولم يقم لديك شاهد على أنهم صرفوا قلوبهم عنها، فلا يصح من الصديق أن يهجر صديقه لهفوة عارضه أو زلة طارئة.
الكاتب: د. عبد الله بن عبد الرحمن الشثري.
المصدر: موقع اسلام ويب.